عتمة المدينة !!!!!!!!!!!!!
المدينة طقوسٌ من العمل والفوضى والتجارة، ومسرح للغني والفقير،
حيث تلُّفها خبايا من الفرح والحزن، وتغسلُ شوارعَها نهاراتٌ من الضجر والكآبة، وتغمرُها بعضُ النسماتِ الرطبةِ المنعشة، التي تهب بين الفينة والأخرى. سماءها أغلب الأحيان تغلفها حيرة صيف بدوي، وبعض غيومٍ بيضاءٍ تاهت في زواياها، وانعقدت الزُرقةُ لونا" صار للفقراء سوطا" يلسعهُم في حر الشمس اللاهب، وذاتَ يومٍ خريفي عابس، صار الغيمُ الأسودُ يزحف نحو أطراف السماء رويدا" رويدا"، وبدأ يقضمُ زرقتها بهدوءٍ وصمت، والناسُ لا يبالونَ سوى بنهاراتٍ متعبةٍ، يتراكضون إلى مصالحهم، متناسين حتى قلوبهم التي أنهكها الكُرُه والأنانيةُ، والغيمُ الأسودُ يشتد سوادا"، ويغلقُ كلَّ المنافذِ الزرقاء من جهة الغرب، ثم تبدأ العتمة بالسقوطِ على نهار المدينة ببطء ظاهر، البعض رفع رأسَه إلى السماء ولم يلاحظ أن السماءَ غاضبةٌ منه، بل اعتبرَ أن الأمرَ مجردُ عاصفةٍ هوجاءٍ تمر، والبعضُ الأخرُ لم ينظر أبدا" سوى إلى طريقه الذي يسيرُ عليه وهمُه الوحيدُ هو الوصولُ إلى راحته اليومية، المنغلقةِ إدمانا" يوميا"، لرغبته في الاسترخاء المنزلي، عندما يعلو فوق سريرٍ من الخيبة، أو بعضِ الفرح لينام قيلولتَه اليومية.
تزدادُ العتمةُ في وضح النهار، بعد أن يغطي الغيمُ الأسودُ الكثيف، أغلبَ المساحاتِ الفارغة من جهة الشمال، ويبدأ الناس برفع رؤوسهم المنهكة أفكارا"، والبعضُ الأخر يؤشر إلى العتمة الغريبة، التي امتصت لونَ السماء، والى الغيم الأسود الكثيف الذي صار يُغطي كل مصادر الضوء، وراح بعضٌ أخرٌ من الناس يظهرُ تأففه من ازدياد الظلامِ الحانق في وضح النهار.
ماذا حصل؟ .. ماذا يحصل؟.. هذه هي الأسئلةُ التي شرع أغلبُ الناسِ يتداولونها، عند الظهيرةِ تماما"، صارت العتمةُ تلفُ المدينةَ كلها، واضطر المسؤولون إلى إضاءة الإنارة في الشوارع، وأضاء أصحابُ المحلات التجارية أيضا" محلاتهم، وانتشرَ الخبرُ عبرَ وسائل الإعلام، وراح المعلقون والمحللون والخبراءُ بالمناخ والاقتصاد والسياسة، يناقشونَ هذه الظاهرة الغريبة، ويضعون تصوراتهم وحلولهم، فالبعضُ أرجعها لتغيرات مناخيةٍ نتيجة التلوث، والبعضُ الأخرُ ارجعَ السبب إلى مؤامرة دولية كبرى، وآخرون اعتبروها لعنة حلت نتيجةَ فسادِ البشر، حتى أنَّ أحدهم أرجعَ الأمر إلى هجوم لمخلوقاتٍ فضائية، أما بعضُ رجالِ الدين فأرجعوها إلى عقوبة من الله نتيجةَ ازديادِ الكفر. وهكذا ازدادت التحليلات والأحاديثُ المختلفة في كل بيت، استمرَ الوضعُ على هذه الحال عدة أيامٍ، فلم يستطع المزارعونَ الاهتمامَ بمحاصيلهم، ولا العمالُ القيامَ بأعمالهم، فتوقف الكثيرُ من الأعمال، وضربَ الحزنُ موعدا" في أغلب البيوت.
راحَ العقلاءُ يفكرون بطريقة للخروج من هذه المصيبةِ الكبرى التي حلت بالبلد، ويتساءلون ما هذا الأمر؟.. ولماذا حصل ذلك؟.. وكيف السبيلُ للخروج من هذا المأزق؟.. فيجتمع بعض منهم مع ممثلٍ عن الحكومة لإيجادِ وسيلة معينةٍ للخروج من الأزمة، وبعدَ نقاشٍ طويلٍ غير ذي فائدة، يقترح أحدُ العقلاءِ أن يذهبوا إلى حكيمٍ يسكنُ في أحد الجبال، لأن لديه علمٌ كبيرٌ، ويمكن له حلُّ اللغزِ، يرفضُ البعضُ ويوافق آخرون وممثلُ الحكومة يرفض بحجة أن ذلك تدجيلٌ ومنافٍ للعلم، ولكن بالنتيجة، ونتيجة ضغطِ الشارع الملح لإيجاد مخرجٍ، يتوافقُ الجميعُ على هذا الحل، ويذهب وفدٌ من العقلاء مع ممثل الحكومةِ إلى مكان تواجدِ الحكيم.
يسكن الحكيم في قمة جبلٍ عالٍ، داخلَ غابةٍ صغيرة، يطفو بأفكاره وهدوئه فوقَ صفاء الطبيعةِ، وخذلانِ البشرِ، وبعيدا" عن متاهات ونفاياتِ المدينة، فهو زاهدٌ بالحياة الباذخةِ، ولا يحبُ الترفَ الدنيويَ كما في المدينة، يتفاجأ الوفدُ بنحالةِ جسم الحكيم، وسعة فهمه ومعرفته وحكمته، ويقول له أحد أعضاء الوفد:
-أيها الحكيمُ المبجلُ، عرفنا حكمتكَ ومعرفتك، ونحنُ نطلب المساعدةَ في المصيبةِ التي حلت بنا، فالمدينةُ كلها غَرقَت في العتمةِ منذ عدة أيام، والغيمُ الأسود يسكنُ في سمائنا، ويرفضُ أن يغادرنا فما العمل؟؟..
يصمتُ الحكيمُ برهةٌ دونَ أن ينظرَ إليهم، ويردُ بكل ثقةٍ وحكمةٍ:
-الحبُ..!!
-ماذا تقول أيها الشيخُ الجليلُ؟ يسألُ الجميعُ، ويتابعُ أحدهم: ماذا تقصد شيخنا؟
-أنتم تكرهون بعضكم بعضا"، وسوف تبقى العتمةُ فوقَ المدينة، إلى أن يحلُ الحبُ في قلوبِ الناس، وينبذونَ الكُره!!..
-كيف ذلك أيها الحكيم؟.. وكيف نزرعُ الحبَ في قلوب الناس؟
- يجب أن يفهم الناسُ أن الشرَ في قلوبهم، هو الوحشُ الذي سيدمرُ مدينتهم، وعليهِم بالحبِ.. وهنا يترك الحكيمُ غرفة الاجتماعِ إلى صومعته المعتادة.
يغادرُ أعضاءُ الوفدِ راجعين إلى المدينة المنكوبة، مندهشين، وحائرين، ويتساءلونَ كيفَ سينفذون وصيةَ الحكيمِ،
نعم الناسَ هنا يتقاتلونَ على طريقة تقسيمِ مياهِ النهرِ لسقاية محاصيلهم، ولكن في ظل العتمةِ الشديدةِ، فلن تنبتَ المحاصيلُ، ولن يكون هناك حاجةٌ للسقاية. وكان الناس جشعين جدا"، لأنهم كانوا يبيعونَ بأسعارٍ تعادلُ أضعافَ السعرِ الحقيقي، وأصبحوا الآنَ لا يبيعون شيئا"، وكان اللصوصُ يسرقون المنازلَ عندما كانَ يغادرُها أصحابها، فأصبحوا الآن بلا عملٍ لأن الناس ما عادوا يبرحون منازلهم، خوفا" من العتمةِ الشديدة، والرشوة تعشعش بين جدران المؤسساتِ كضبع ينقضُّ على فريسته.
عقد العقلاءُ سلسلةَ اجتماعاتٍ لاتخاذِ طريقةٍ مناسبةٍ لنشرِ الحبِ بين الناس، وطرح أحدهُم اقتراحا" أن يقدم كل شخص على مسامحةِ نفسِه أولا"، ثم يقومُ بزيارة جاره ويسامحُه ويقبل رأسَه عربونَ محبةٍ، ثم ينتقلُ إلى الجارِ الأخر، وهكذا حتى يسامحُ كل الذين اختلفَ معهم ويعلنُ حبَه لهم، لم يقتنع الناسُ في البداية، بهذا الحل، ولكن لم يكن أمامهم من مخرج آخر مناسبٍ لهذه المصيبة، فاقتنعوا بأن المحاولة ضروريةٌ، وفعلا" بدأ الناس تنفيذ المطلوبِ.. وبعد عدة أيامٍ صارت الغيوم الداكنةُ تنقشُع رويدا" رويدا"، وبانت زرقةُ الحبِ لأول مرةٍ، بعد عتمة قاسيةٍ ضربت النفوس قبل الحجر.. وبدأ عصرُ الحبِ أخيرا".. وأصبحتِ السماء تضحكُ بزرقتها البهية..
كتبها
د. محمد ياسين صبيح
تحياتي
أسرار الكون
مجموعة صندوق النمل البريدية
http://groups.google.com/group/xv11-?hl=ar_US?hl=ar
مـلاحـظـات هـامـة
* الـرد عـلـى الـمـشـاركـة تــصـل لـبـريـد الـمـرسـل ولـيـس للـمـجـمـوعـة .
الـمـشـاركـات الـتـي يـتـم حــذفــــهــا مـن الـقـروب :-
1) - الـمـشـاركـات الـتـي تـحـمـل عـلامـة FW أو RE أو Fwd .
2) - الـمـشـاركـات الـتـي تـحـمـل روابـط لمنتديات أوقروبات أخرى .
3) - الـمـشـاركـات الـتـي لـيـس لـهـا عـنـوان .
4) - الـمـشـاركـات الـمـكـررة.
5) - يمنع نشر الأغاني .
6) - الـمـشـاركـات الـجـنـسـيـه. ( تحذف عضويته فوراً ) .
7) - يمنع طرح الأشعار الغزلية
(( تحذير ))
المواضيع الدينية المسموح بنشرها فقط ما كانت توافق مذهب أهل السنة والجماعة .
مواقع صديقة
الموقع الرسمي لشبكة الحل . كوم
http://www.al7ll.com
------------------------------------------
لـ للإستفسار أو المساعدة راسلني
http://aburame.arabform.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق