الحث على تعلم القرآن وتلاوته لا سيما في هذا الشهر المبارك
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعم علينا بنعم لا تحصى وأجلها نعمة القرآن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على طريق الإيمان وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله ـ اتقوا الله تعالى ـ واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الايمان، وخصكم به من إنزال القرآن، فهو القرآن العظيم، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه فلا يتطرق إليه نقص ولا زيادة، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي المصاحف، محفوظ في الصدور، متلو بالألسن، ميسر للتعلم والتدبر {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر 17] يستطيع حفظه واستظهاره الصغار والأعاجم، لا تكل الألسن من تلاوته ولا تمل الأسماع من حلاوته ولذته، لا تشبع العلماء من تدبره والتفقه في معانيه، ولا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، لأنه المعجزة الخالدة، والحجة الباقية، أمر الله بتلاوته وتدبره وجعله مباركا، فقال تعالى:
{كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} [ص 29].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح [أخرجه الترمذي رقم 2910، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه]، وقد جعل الله ميزة وفضيلة لحملة القرآن العاملين به على غيرهم من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري [أخرجه البخاري رقم 5027]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لاريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" رواه البخاري ومسلم [أخرجه البخاري رقم 5427 ومسلم رقم 797].
ففي هذه النصوص حث على تعلم القرآن أولا، ثم تلاوته وتدبره ثانيا، ثم العمل به ثالثا، وقد انقسم الناس مع القرآن إلى أقسام: فمنهم من يتلوه حق تلاوته ويهتم بدراسته علما وعملا، وهؤلاء هم السعداء، الذين هم أهل القرآن حقيقة، ومنهم من أعرض عنه فلم يتعلمه ولم يلتفت إليه، وهؤلاء قد توعدهم الله بأشد الوعيد، فقال تعالى: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف 36]، وقال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه 124 ـ 126]، ومن الناس من تعلم القرآن ولكنه أهمل تلاوته، وهذا هجران للقرآن حرمان للنفس من الأجر العظيم في تلاوته وسبب لنسيانه وقد يدخل في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري} [طه 124] فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان خسارة كبيرة، وسبب لتسلط الشيطان على العبد، وسبب لقسوة القلب، ومن الناس من يتلو القرآن مجرد تلاوة من غير تدبر ولا اعتبار، وهذا لا يستفيد من تلاوته فائدة كبيرة، وقد ذم الله من اقتصر على التلاوة من غير تفهم فقال سبحانه في اليهود: {ومنهم أميون لا يعلون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [البقرة 78] أي يتلونه تلاوة مجردة عن الفهم، فيجب على المسلم عند تلاوته للقرآن أن يحضر قلبه لتفهمه على قدر استطاعته، ولا يكتفي بمجرد سرده وختمه من غير تفهم وتأثر، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
حديث اليوم
عن ابن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ،
وَآنَاءَ النَّهَارِ».متفق عليه
قطوف
قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه:"يَنبْغِي لِقارِئِ القرآنِ أنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذِ النَّاسُ نائِمُونَ، وبنَهارِهِ إذِ النَّاسُ مُفْطِرونَ، وَبِبُكِائهِ إذِ النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِوَرَعِهِ إذِ النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وبِصَمْتِهِ إذِ النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إذِ النَّاسُ يَخْتالُونَ".
ذكرى
روى عن منصور بن عمار رضي الله عنه قال: دخلت الكوفة فبينما أنا أمشي في ظلمة الليل
إذ سمعت بكار رجل بصوت شجي من داخل دار وهو يقول إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولكن عصيتك بجهل مني فالآن من ينقذني من عذابك ؟
وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني واذنوباه! واغوثاه! يا الله! .
قال منصور بن عمار : فأبكاني كلامه فوقفت فقرأت
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْوَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) .
فسمعت للرجل صياحاً شديداً واضطراباً . فوقفت حتى انقطع صوته ومشيت فلما أصبحت أتيت دار الرجل فوجدته قد مات والناس في تجهيزه وعجوز تبكي فسألت عنها فقيل هي أمه فتقدمت إليها وسألتها عن حاله فقالت كان يصوم النهار ويقوم الليل ويكتسب الحلال فيقسم كسبه أثلاثاً ، ثلث لنفقته وثلث لنفقتي وثلث يتصدق به فلما كان البارحة مر إنسان وهو يقرأ فسمع آية من القرآن ففارق الدنيا .
خاطرة
خُلُقُهُ القُرْآنُ
الأخلاق الحسنة صفة كل مسلم، ولكن قليل من يمتثل ذلك في حياته، ومعاشه.
والبيت المسلم يربى أبناءه على الخلق الحسن؛ ففي مدرسة الصيام؛ تزكو النفوس، وتستقيم السلوك، وتنبعث الأخلاق الفاضلة؛
فتنزل الرحمات، وتعم السكنات.
وبالصيام؛ تعلو الهمة، وتقوى الإرادة، وتنشط العزيمة، وتسمو الروح نحو المعالي؛ فالصوم يحرك في نفوس أبنائه كل خير،
ويكبح جماح كل شر؛ فأصبحت تراهم مشاعل نور، وقدوة صالحة في مجتمعهم، وأنعم به من مجتمع، قد اقتدى بالجيل القرآني الفريد.
لله درك أيها البيت المسلم، قد أثر فيك الصيام؛ فخشعت جوارحك، واطمأن قلبك، وصفت روحك، وكأني بك، قد أَلِفْتَ، وأُلِفْتَ،
( ولا خير فيمن لا يألف، ولا يؤلف).
فسارع لحجز مقعدٍ بجوار المصطفى صلى الله عليه وسلم، وَالَمهْرُ :(أقربكم مني مجلساً يوم القيامة ؛ أحاسنكم أخلاقاً)
فلا صخب، ولا غضب، بل السماحة، والرحب.
فكن كالنخلة؛ اهجر الفعل القبيح، وابتعد عن القول الجريح، وافعل الخير الصريح، واسمع وصاتها، ونصحها:
إِذا أَعْجَبَتْكَ خِصالُ امْرِئٍ فَكُنْهُ يَكُنْ مِنْكَ مَا يُعْجِبُكْ
فَليسَ عَلى المَجْدِ وَالمَكْرُماتِ حِجابٌ إِذا جِئْتَهُ يَحْجُبُكفاللَّهم يافاطر السَّماوات ، وكاشف
الظُّلمات ، ارزقنا نطقها عند الحاجات
ونجنا بها بعد الممات ،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق